مُقدِّمة
تُوفّي سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ضحى يوم الإثنين 12 ربيع الأول من العام 11 الهجري، وكانت وفاته في بيت زوجته عائشة بنت الصِّديق أبي بكر رضي الله عنهما والذي كان بجانب للمسجد النبوي آنذاك، وقد دُفن صلّى الله عليه وسلّم في نفس مكان وفته، حيثُ قام الصحابة برفع فراشه الذي تُوفي عليه، وحفر أبو طلحة الأنصاري له قبرًا تحته، ثم أنزل جسده الشريف القبرَ عليّ بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وولداه الفضل وقُثَم، ورشّ قبره الشريف بلال بن رباح بالماء، ورُفع قبره عن الأرض قدر شبر.1
ومع توسّع المسجد النبوي في العصور اللاحقة، تم ضمّ بُيوت النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم ضمن المسجد النَّبوي، ومنها بيت السيِّدة عائشة بنت أبي بكر الحجرة الشريفة حيثُ مكان دفن النَّبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فأصبح المسجد مُحيطًا بالحجرة الشريفة من كلِّ الجهات، وبُني فوق الحجرة الشريفة قُبّةً خضراءَ حتى يُميَّز مكان الحجرة الشريفة عن باقي المسجد.
الحثُّ على زيارة قبر النَّبي
اعتبر الإمام النووي زيارة النَّبي صلّى الله عليه وسلّم هي مِنْ أهَم الْقُرُبَاتِ وَأَنْجَحِ المَسَاعِي، وقد تواردت الأدلّة في الحثِّ على زيارة قبر النَّبي صلّى الله عليه وسلّم، منها:
عن نافع بن عمر أنّ النَّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: مَن زَارَ قَبْرِي وَجَبَت لَه شَفَاعَتِي.2
عن عبد الله بن عمر أنّ النَّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: مَن جاءَني زائرًا لم تَنزِعهُ حاجةٌ إلَّا زِيارَتي كان حقًّا عليَّ أن أكونَ لهُ شَفيعًا يومَ القيامةِ.3
عن أبي هريرة أنّ النَّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ما بين بيتي ومِنبري روضةٌ من رياضِ الجنةِ، ومِنبري على حوضِي،4 ومعلومٌ أنّ قبره في بيته عليه الصَّلاة والسَّلام.
آداب ما قبل الزيارة
فصّل الإمام النووي الآداب التي يجب اتّباعها عند إرادة زيارة النَّبي صلّى الله عليه وسلّم، منها:5
أن ينوي الزائر التقرّب إلى الله أيضًا بالدخول إلى المسجد النبوي، والصّلاة فيه.
أن يُكثر من الصّلاة والسّلام عليه صلّى الله عليه وسلّم بمجرّد أن أراد الزيارة، وكذلك في طريقه إليه، فإذا ما وَصَل إلى المدينة المنوّرة ودخل حَرَمها، زاد من صلاته وسلامه عليه صلّى الله عليه وسلّم.
أن يدعوَ الله سُبحانه وتعالى أن يتقّبل منه هذه الزيارة، وينفعه بها.
يُستحبّ أن يغتسل، وأن يتوضأ، ويلبس أحسنَ ثيابه، وأن يتطيّب بأحسن الطِّيب.
أن يقولَ دعاء دخول المسجد عند إرادته دخول المسجد النبوي، وهو: اللهم افتَحْ لي أبوابَ رحمتِكَ.
أن يقدّم قدمه اليُمنى في الدخول، واليُسرى في الخروج.
أن يقصد الروضة الشريفة، وهي ما بين القبر والمنبر، ولها علامة مشهورة وهي كون سجّادها باللون الأخضر، فيصلّي فيها ركعتين تحيّة المسجد.
بعد صلاة ركعتين تحيّة المسجد، يُستحب أن يشكرَ الإنسان اللهَ على هذه النِّعمة، ويسأله إتمامها، وقبول الزيارة.
ما يُقال عند الزيارة
بعد ما سبق ذكره من الآداب، يتوجّه الإنسان للقبر الشريف، عند المواجهة الشريفة، فيقف مستقبلاً قبره الشريف، مستدبرًا القِبلة، ويبعد مقدار مترين عن السَّارية الموجودة في المواجهة عند قبره صلّى الله عليه وسلّم. وبحسب ما ذكر الإمام الغزالي، فإنّ على الإنسان أن يقف ناظرًا للأسفل غاضّ الطرف في مقام الهيبة والإجلال، فارغ القلب من علائق الدنيا مستحضرًا في قلبه جلال موقفه ومنزلة من هو بحضرته. ثم يسلّم على النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا يرفع صوته بل يقتصد، ويقول:5
السلاَمُ عليكَ يا رسولَ الله، السلاَم عليك يا نبيَّ الله، السلاَم عليكَ يا خِيرةَ الله، السلامُ عليكَ يا خَيْرَ خَلْقِ الله، السلاَمُ عَلَيْكَ يَا حَبِيبَ الله، السلامُ عَلَيْكَ يا نذير، السلامَ عليك يا بشيرُ، السلامُ عليكَ يا طُهْرُ، السلامُ عليك يا طاهِرُ، السلامُ عليكَ يا نبيَّ الرحمةِ، السلامُ عليك يا نبي الأَمَّةِ، السلامُ عليك يا أبا الْقَاسِمِ، السلاَمُ عليكَ يا رَسُولَ رب العالمينَ، السلامُ عليك يا سيدَ المُرْسَلينَ ويا خاتَم النَّبيين، السلامُ عليكَ يا خيرَ الخَلائِقِ أجْمَعينَ، السلامُ عليك يا قائد الغُر المُحَجَّلينَ، السَّلامُ عليكَ وَعَلى آلِكَ وأهْلِ بَيْتِكَ وأزواجِكَ وذُريتِكَ وأصحابِكَ أجمعين، السلاَمُ عليكَ وَعَلى سائِرِ الأنبياءِ وجميع عِبادِ الله الصَالحينَ، جَزَاكَ الله يا رَسُولَ الله عَنَّا أَفضَل مَا جَزَى نَبياً وَرَسُولاً عَنْ أُمَتِهِ، وصلى الله عليك كُلَّمَا ذَكَرَكَ ذاكر وغفل عَنْ ذكرِكَ غَافِل، أفْضَلَ وَأكْمَلَ وأطْيَبَ مَا صَلَّى على أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ أجْمَعِينَ.
أشْهَدُ أنْ لاَ إِلهَ إِلا الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّكَ عَبْدُهُ ورسوله وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وأشْهَدُ أنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ الرسَالة وَأدّيْتَ الأمَانَةَ وَنَصْحَتَ الأَمةَ وَجَاهَدْت في الله حَقَّ جهَادِهِ، اللَّهُمَّ وآتِهِ الوَسيلَةَ والفضيلَة وابعثهُ مَقَاماً مَحْمُوداً الذي وَعَدْتَهُ، وآتَهِ نِهَايةَ ما ينبغي أَنْ يَسْأَلهُ السَّائِلُونَ.
اللَّهُمَّ صلِّ على محمد عَبْدِكَ وَرَسُولكَ النَّبيّ الأُمّي وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وأَزْوَاجِهِ وذريته كما صَلّيت على إبْرَاهِيِمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيم وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّد النَّبِيّ الأمَّي وعَلَى آل مُحَمَّدٍ وَأزْوَاجِهِ وذُرِّيَتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلى آلِ إبراهيم فِي الْعَالِمينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مجِيدٌ.
بعد فراغه من السّلام على النَّبي صلّى الله عليه وسلّم، وإيصال سلام من أوصوه به، يتأخر المسلم لليمين قليلاً فيسلّم على أبي بكر الصديق، وبعد على اليمين منه عمر بن الخطاب. ثمّ بعد ذلك يعود إلى موقفه الأول قبالة وجه النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويتوسل به لنفسه ويتشفع به إلى الله سُبحانه وتعالى، فقد قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا،6 ويدعو لنفسه ولمن أحبّ من أقاربه وأصدقائه ومشايخه، وسائر المسلمين.
آداب أخرى
ذكر العُلماء أداب ومحاذير أخرى يجب الإنتباه إليها، منها:
عدم جواز الطواف بقبر النَّبي صلّى الله عليه وسلّم.
يُكره إلصاق البطن والظهر بجدار القبر الشريف.
يُكره التمسّح بجدار القبر وتقبيله، بل الأدب أن يُبعد عنه كما لو أنّه حاضر حيّ في حياته صلّى الله عليه وسلّم.
قصّة العُتبي
اشتُهرت قصّة عُرفت بقصّة العُتبي والأعرابي متعلّقة بزيارة قبر النَّبي صلّى الله عليه وسلّم، وهي أنّ العُتبي قال: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ قَبْرِ النَّبي صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ أَعْرَابِيّ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكَ يا رسول الله سَمِعْت الله يقُولُ: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا وقد جئتك مستغفراً من ذنبي مُسْتَشْفِعاً بِكَ إِلَى رَبّيِ ثُمَّ أنْشَأ يقُولُ:
يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ بِالْقَاعِ أعْظُمهُ … فَطَابَ مِنْ طِيبهِن القاعُ والأكَمُ
نَفْسِي فِدَاءٌ لِقَبْر أَنْتَ سَاكِنُهُ … فِيهِ العَفَافُ وَفِيهِ الْجُودُ وَالْكَرَمُ
أَنْتَ الشفِيعُ الَّذِي تُرْجَى شَفَاعَتُه … عَلَى الصِّراطِ إِذَا مَا زَلَّتِ القَدَمُ
وَصَاحِبَاكَ فَلاَ أَنْسَاهُمَا أبَداً … مِنّي السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ مَا جَرَى الْقَلَمُ
قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ فَغَلَبتَنِي عَيْنَايَ فَرَأيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في النَّوْمِ فَقَالَ: يَا عُتْبي إلْحَقْ الأَعْرَابِيَّ وَبَشّرْهُ بِأن الله تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لَه.5
مراجع
1 نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، محمد بن عفيفي الخضري، ص205، دار المعرفة، بيروت، ط2004.
2 رواه الدارقطني في سننه، عن نافع بن عمر، ج2، ص278، رقم: 194، تحقيق: عبد الله هاشم يماني المدني، دار المعرفة، بيروت، ط1966. وقال عنه ابن الملقن في البدر المنير، ج6، ص296: إسناده حسن.
3 رواه ابن الملقن، في تحفة المحتاج، رقم: 2/190، وقال عنه: صحيح أو حسن.
4 رواه البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة، رقم: 6588.
5 الإيضاح في مناسك الحج والعمرة، الإمام النووي، ص446-453، دار البشائر، بيروت، ط1994.
6 سورة النساء، آية: 64.